جدّي..

لن انسى ما حييت يوم أقبلتُ عليك بثوب التخرج من الثانوية، كم هلّلت، كم دندنت لي، كم قاومت النعاس الذي اعتاد مداهمتك في جلساتنا لنلتقط بضع صور، – لو كنت أعلم يا جدي أني سأفقد كل هذه الصور بخطأ تكنولوجي ولن يبقَ لي منها إلا هذه بجودتها الرديئة لقمت بطباعتها واحتفظت بها كما تفعل أنت بصور الجميع-، أذكر أنك بعد هذه الصورة اختطفت قبعتي عن رأسي ووضعتها على رأسك هاتفا: هي انا تخرجت كمان، انت خرّيجة وانا خرّيج، ويوم تخرجك من الجامعة برجع بتخرّج معك،،،

عندما تركت جامعتي الأولى جئتني في بيت جدتي ثناء، أجلستني بجوارك، ورحت تساعدني على التفكير بتخصص آخر وجامعة أخرى، حثثتني على البحث عبر الانترنت، طلبت مني أن أكتب كل التخصصات التي قد أميل لها في ورقة، حتى وإن كانت طب أو صيدلة، ووعدتني أن تساعدني لأكمل طريقي مهما كلف الأمر، ومهما اخترت،،،

عندما كنت في غيبوبتك في العناية المشددة في الرياض، تلقيت علامتي في إحدى المواد التي كنت قد شكوت لك من صعوبتها، حصلت فيها على تقدير ممتاز، في وقت زيارتنا لك وقفت بجانبك ممسكة كفك ودعي ينهمر، بادرتني جدتي: بشريه بعلامتك، يمكن عم يسمعنا، دنوت منك وهمست لك بها، وكلي رجاء أن تشد كفك على كفي لأتيقن انك سمعت،،،

قبيل مغادرتي إلى الرياض لأداء آخر امتحانين زرتك، قبلت يدك وطلبت منك أن تدعو لي، سألتني: تخرجتِ؟ أجبتك: لسا، ادعيلي باقيلي اختبارين وبتخرج ان شاء الله، ادعيلي أنجح فيهن، يومها شددت على كفي مطمئنا وقلت: ان شاء الله بترجعي بشهادة بطولك ومنجوزك، ودعوت لي بقدر ما أسعفتك ذاكرتك وكلماتك،،،

تخرّجتُ يا جدّي، تخرّجتُ بعد دخولك المستشفى بثلاثة أيّام، تخرّجتُ ولم أملك الوقت لإخبارك، تخرّجتُ ولم أدخل منزلك بثوب التخرّج، لم أرَ الفرح يتراقص في عينيك، لم تدندن لي، لم تمازحني، تخرّجتُ يا جدي وجئتُ لأقيم بجوارك، لكنك من اليوم مقيم بجوار الله.

رحمك الله ياحبيبي

اسطنبول
11 – يناير – 2020