” ما بالنا ” ..

” ما بالنا ” أردتُها هنا ، حيث انتهى سرد الوقائع ، حيث انتهى توثيق الزّمن ، أردتُها حيث سأتحدّث عمّا يجول في خاطري منذ سبعة أعوام ، عمّا بنيت من قناعات خلالها ، وما آمنت به من مبادئ ..
ما بالُنا !
لن أحدّثكم باسم الدّين أو أحاججكم بالحلال و الحرام ، سأحدّثكم باسم الوطن ، باسم الجيل القادم ، باسم كلّ الجمال في تلك الجنان الأرضيّة ..
وصلنا لزمن صارت فيه ” الأرجيلة ” كما القهوة ، وربّما أقرب للصّغار من القهوة ، بات من الطبيعي أن نسمع عن انعقاد جلسات ” أراجيل ” ، و أن تفوح رائحة الدّخان من كل من يمرّ بجانبنا ، بل و أسوأ من هذا ، وصلنا إلى اعتبارها لونا من ألوان التّرف ، و طقسا من طقوس التأمّل و السّكينة ، و وسيلة من وسائل صقل حياتنا اليوميّة أو الأسبوعيّة أو الشّهريّة ، و زيّا باذخا ما بين النّسوة ، باتت كما صحن الفستق الحلبيّ في سهرة السّمر ، برغم الاختلافات الألف بينها وبينه .. 
إلى متى ونحن في غفلة ! ، إلى متى و الأهل يجهلون واجبهم ، يجهلون معنى التّربية ، و أسمى معاني القدوة ! ، إلى متى و نحن نرى أنّ العادات السيّئة لا بأس بها إن كانت قليلة الممارسة ! 
لن أنكر أنّ لكلّ شيء حولنا جاذب ، قد يجذبنا إليه الفضول ، الرغبة ، مماثلة الغير – خاصة أولاء الذين من جيلنا – ، إلّا أنّنا خلقنا بعقول لئلّا تحكمنا الغريزة ..
عند خلق الإنسان وضع الله في النفس البشريّة نزعتيْن ، الفطرة و الغريزة ، و عند التّشريع والأحكام نزّل سبحانه ما يحكم و يوجّه ويقيّد الغريزة لأنّها تحتمل الهدى و الضّلال على عكس الفطرة التي لا تحتمل الضّلال إطلاقا ، فإمّا هدى و إلّا فغياب واندثار تحت تبعات الغرائز .. 
اليوم ، ركدت فينا الفطرة ، خَـفَـتَ شعاعها ، ما عادت توجّهنا ، بسبب كلّ الهموم والصّعاب ، والانشغال و زيادة متطلّبات و أتعاب الحياة ، و ألف سبب و سبب ، إلّا أنّ عقولنا تتسابق اليوم في إثبات الدّهاء و الحكمة ، فأين نحن منها لأنفسنا و أين هي منّا لأبنائنا !
معظمنا إن لم نكن جميعنا اليوم نسعى لزرع المبادئ ، في أطفالنا و مجتمعاتنا ، خاصّة مبادئ الإنسانيّة و الوطنيّة ، لكنّنا ننسى أهمّ و أوّل مبدأ ، مبدأ ” أن أكون صاحب مبدأ ” ، أن أضع لنفسي أفكارا قد تتطوّر لتكون قناعات ، و قناعات قد تشتدّ لتكون مبدأ ، و مبدأ سيبقى لأكون أنا ، فإذا كان المبدأ ألّا أقرب أذى ما فلن أقربه ما حييت ، حتّى ولو بدافع الفضول و التّجربة ..
إن كنّا أصحاب مبادئ حقا لعرفنا كيف نربّي أبناءنا على المبادئ ، و في عصرنا هذا ، إن لم يزرع الأهل المبدأ في أطفالهم لن يقوهم شرّ المجتمع و البيئة التي لا يتوانون عن لصق التّهم في ظهرها إن فسد الجيل ..
وفي موضوع التّدخين تحديدا ، تختلف الدّوافع لاجتنابه وتحريمه على النفس – من باب المبدأ – بقدر ما تتشابه تلك التي تكون وراء ممارسته ، و يا لشدّة تشابهها . 
عن نفسي ، أحرّمه على نفسي لإيماني بسوئه ، و حتميّة إدمانه ، و بعد مدى تأثيره السّلبي ، سيسكن في جسدي ، سيسافر لأبنائي مستقبلا ، و سيعود إليّ عند الهرم ..
و أرفضه في الشّريك ، لشدّة تشويهه للقدوة التي سيكونها ، و تقليله لاستشعار المسؤوليّة التي يحملها ، كونه لا يخاف على نفسه من كلّ ما قد يصيبه لأجل متعة لحظيّة فهو لا يأخذ مسؤوليّته اتجاه عائلته بشكل جدّي ، لأنّه من غير المنطقيّ أن يخشى عليهم من بعده و يسابق الزمن ليظلّوا من بعده !
لست أوّل من كتب و تحدّث في هذا الأمر ، ولست أعظم و لا أكبر و لا أحكم و لا أعقل من فعل ، لكنّني فرد في مجتمع ، أتأثّر و أؤثّر ، و لم أكتب ما كتبت إلّا لغيظي ممّا أعايش اليوم ، فإن كنت – ولله الحمد – أقوى من أن أتأثّر ب”موضة العصر لبني سنّي ” فإنّي أعرف الكثير ممّن كان أضعف فجرّب وعاود الكرّة ، ثم مارس و أدمن ، حتّى اعتنق مبدأ ” وقّفت ع هالشّغلة ، كل حياتنا غلط بغلط ، وبعدين كلها ع بعضها أرجيلة بالشّهر للشّهرين ، خلّينا عم ننبسط ، شو كم مرّة رح نعيش ! ” ..

” ما بالنا ! ” ..
من سيبني أوطاننا ! ، من سيعمر الأرض ! ، أين الخلافة فيها ! ..
سؤال منك إليك ، هل تحكمك الفطرة أم الغريزة ؟!

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.