سَفَر

سأسافر،
كم رددتها، لنفسي، لوالدتي، لمن حولي، لأوراقي ودفاتري..

سأسافر،
سأغادر هذي المدينة الجافة، سأترك ورائي كل جمودها، سأدفن كل قسوتها..

سأسافر،
لسنين تمنيت الرحيل عن مدينة لا تشبهني، لا تتسع لأحلامي، لا تروي عطشي للتجارب، لا تشبع نهمي للجمال، لا ترضي طموحي بالعلم..

سافرت، مرّت عشر سنوات قبل أن أفعلها، لكنني فعلتها، سافرت، غادرتها بحقائب الثياب وصُرَرِ أملٍ فتيّ، غادرتها بوداعٍ دامعٍ لوالديّ وتشبّث بيد رفيق السفر أخي الأصغر، غادرتها لأعيش الحلم، ونسيت أني عندما أدرت ظهري لها فقد أدرت ظهري لخمس وعشرين عاما من عمري، نسيت أني بهذا أتنكّر لكل ما صرته فيها، نسيت أن السفر نقيض الاستقرار..

مرّ ثلاثة عشر يوما هنا، في كلّ يومٍ تقريبا كنت أكتشف شعورا لم أعرفه من قبل، وإلى يومي هذا لم أفهم أي منهم بعد، في كلّ يوم أدرك أمرا لم يخطر ببالي أبدا، أعي كم سيغيّرني السفر، كم سيعلّمني، كم سيصقلني، ثم أتذكّر فجأة أني بالسفر أودّع روحا من “دانة” التي ألِفتُها هناك، وأرتعش لفكرة أنّها قد لا تعود حتى وإن عُدت..

في سفري عرفت تناقض المشاعر، لكني برغم كل الغربة والغرابة التي أشعر بها كلّ يوم، لا زلت كل ليلة قبل النوم أختلس من صُرَرِ الأمل ابتسامةً للغد، لا زلت أناضل لأعيش الحلم.

اسطنبول
٢٠١٩/١٠/٢٣م

بعدسة: يوسف قاسمو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.