عجيب هذا الفراغ لم أشعر به إلا عندما بدأ يتمدد. نعم الفراغ يتمدد لأن الهواء يملأ مكان الأجسام المفقودة وهو ما يسميه البشر فراغاً. أو قد تطلق على الفراغ العاطفي وفي كلتا الحالتين يكون الفراغ مصحوباً بأنواع الضيق.
لم أتصور يوماً أن أفتقد أخي الدب، لكني (ومع كل كرهي لطيشه) أفتقده وأفتقد سماجته وقلة أدبه الساخرة من نفسه قبل الآخرين. وعلى الرغم من مضي أسابيع على رحيله إلا أنني ما زلت أطلب من ابنتي أن تذهب إلى غرفته لتطل برأسها لعله (كعادته السمجة) يكون قد وصل المنزل ونام دون أن يبلغ أحداً عن قدومه إلى الرياض فضلاً عن قدومه إلى المنزل.
قد أكون أكتب بسرعة كبيرة مخافة هروب الكلمات التي تتقافز في ذهني كالكرات المجنونة، وهي لمن لا يعرفها كرات مطاطية ذات قابلية عالية على الحفاظ على الطاقة لدرجة أنك عندما تتركها للسقوط الحر من ارتفاع متر ونصف فإنها تعود إلى ما يقارب المتر وبضع سنتيمترات. أو يمكن ببساطة تشبيهها بالمطائر. ولمن لا يعرف المطائر الرجاء مراجعة قصة الطبيب روبنسون لاندكروزر.
ما الذي أوصلني إلى هنا؟ آه، نعم!! غياب الاثنين معاً…. وكأن نصف البيت رحل ومع رحيله رحلت كل المشاغبات والمشاكسات والمناوشات والمزحات (الثقيلة والخفيفة). ولا أدري كيف يمكن تطبيق مبادئ الفيزياء على حالة كهذه! برأي السيد أفلاطون هل يعادل وزن الهواء وزن من غادروا أو وزن أنفاسهم وهمساتهم وذكرياتهم؟
ولتزداد المشقة، يغادر أطفالي السبت القادم آخذين أكثر منزلي مع لهفاتهم وضحكاتهم التي تستقبلني نهاية كل يوم. وكأنهم يريدون إشغالي بهم عن غيرهم وتعويدي على البعد والغربة في الغربة والبعد.