آه ياعرب

منذ خمس سنوات وقفت على المسرح في مدرستي أمام الأمهات مرتدية ” الجلابية الفلسطينية ” ورأسي معصوب بـ”الكوفية الفلسطينية” لأؤدي دور المعلمة الفلسطينية .. تلك المعلمة التي طلبت من إحدى طالباتها إعراب جملة ( عشق المسلم أرض فلسطين ) فما كان من الطالبة إلا تحويل الجملة إلى ( نسي المسلم أرض فلسطين ) وإعرابها إعرابا يحكي ألم إخوتنا في الوطن المحتل المغتصب والنازحين منهم إلى أوطان توجعهم أكثر .. إعرابا يحكي عن ألف غصة وغصة .. عن ألف دمعة وذكرى .. إعرابا كان بداية لحوار هو ” زبدة ” النص المسرحي .. طالبتان في المنفى تقفان أمام المعلمة وتفجران ما بداخلهما .. تحكيان عن نار تشتعل في شعب بأسره .. الطالبتان اللتان قامتا بدور الطالبتين كانتا فلسطينيتي الأصل .. أما أنا فسورية .. معلمتي اختارتني لأؤدي الدور – مع أن الإدارة طلبت منها أن تختار فلسطينيات فقط – لسببين .. الأول أن طولي يجعلني أبدو كمعلمة لأنني أبدو أكبر عمرا من الطالبات .. والثاني أنها لاحظت أني عند إلقاء القصائد في الفصل أعيشها لدرجة أني أحيانا لا أنتبه إليها عندما تطلب مني التمهل لتشرح الأبيات .. وافقت الإدارة على  إعطائي الدور – على مضض –  وخلال فترة التدريب والتحضير كانت المديرة ” اللتي تعتبرني عدوتها اللدودة في تلك المدرسة ” متواجدة وعندما قدمنا العرض أول مرة أمامها أفرغت عليّ كما هائلا من الملاحظات مع أني وحدي من كنت أحفظ دوري وطبعا معلمتي كانت تخالفها الرأي تماما .. وفي أول عرض أمام الإدارة والأمهات وموجهات الوزارة مررت أمام المديرة قبيل العرض بقليل فرمقتني بنظرة جعلتني أقسم أني سأجعل الحضور يهزوا أركان المسرح تصفيقا لي .. وبدأ العرض .. كان جسدي يرتعش .. وصوتي ليس له وجود .. في بادئ الأمر كنت مضطربة جدا .. وعندما وصلت الطالبة لجزء :  معذرة معلمتي.. فسؤالك حرك أشجاني.. ألهب وجداني.. معذرة ,, فسؤالك نار تبعث أحزاني وتحطم صمتي وتهد كياني.. معلمتي…. نطق فؤادي قبل لساني .. كان صوتها يرتجف قهرا فهي كانت تعرف مايعنيه نصها .. وأنا ماكان مني إلا أني تعاطفت معها وبشدة في دوري : بنيتي فلسطين جرح بالأمة غائر .. فلسطين كفاح على مدى الدهر سائر .. فلسطين نضال وجهاد عدو جائر .. فلسطين يا بنيتي لهيب بركان ثائر .. فلسطين كانت حُرّة .. أخذت عنوة وبقوة .. لكنّها ستعود حُرّة .. فزمجري يا رياح و اقصفي يا رعود .. وليصرخ الهاتف الموعود .. الأقصى سيعـــــــــــود .. الأقصى سيعــــــــــــــــود .. بإذن الله سيعـــــــود .. ونسأل الله أن يكون لنا في رحابه ركوع ثم رفع فسجـود .. وبمجرد انتهائي كان المسرح يضج بالتصفيق .. جميعهم صفقوا لي إلا المديرة .. في ذلك اليوم لم تفارقني صور شهداء الأقصى .. لم تفارقني صرخات الأمهات الثكالى والأطفال اليتامى .. حتى في اليوم الذي قدمنا فيه العرض الثاني أمام الخريجات والإدارة والطالبات قدمت دوري بذات التفاعل والحماس وأمضيت يومي وصور إخوتنا في فلسطين لا تفارقني .. وانطوت الأيام .. واليوم أجدني أردد : بنيتي فلسطين جرح بالأمة غائر .. فلسطين كفاح على مدى الدهر سائر .. فلسطين نضال وجهاد عدو جائر.. فلسطين يا بنيتي لهيب بركان ثائر .. فلسطين كانت حُرّة .. أخذت عنوة وبقوة .. لكنّها ستعود حُرّة .. فزمجري يا رياح و اقصفي يا رعود .. وليصرخ الهاتف الموعود .. الأقصى سيعـــــــــــود .. الأقصى سيعــــــــــــــــود .. بإذن الله سيعـــــــود .. ونسأل الله أن يكون لنا في رحابه ركوع ثم رفع فسجـود .. وصور شهداء سوريا تمر أمامي واحدا تلو الآخر .. القاشوش والخطيب ومطر .. دلال وهاجر وهبة .. وغيرهم الكثير الكثير .. آه ياسوريا .. آه يافلسطين .. آه ياعراق .. بل آه ياعرب ..

دانة عكل

13 – 8 – 2012

* أسماء الشهداء – لمن لا يعرفهم – : إبراهيم القاشوش , حمزة الخطيب , غياث مطر , دلال العوف , هاجر الخطيب , هبة الديراني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.