لماذا هنا

سئلت مؤخراً عن سبب انخفاض (تقريباً انعدام) نشاطي على شبكات التواصل الاجتماعي. بالمناسبة “مؤخراً” تعود على السؤال وليس على النشاط لأنني بعيد عن معظم أدوات التواصل منذ سنوات. وكنت سابقاً أجيب بأن السبب الانشغال بالحياة والعمل وما إلى ذلك، لكن الواقع أنني لم أستطع التأقلم مع هذه الأدوات ولا تقبل عملية وضع كل صغيرة وكبيرة من تفاصيل حياتي على الملأ. فيأتي السؤال التالي لا أحد يجبرك على ذلك، لكن على الأقل يمكنك متابعة أخبار الأهل والأصدقاء، والحقيقة أنني مقصر في ذلك لكن بسبب أن جزءً كبيراً منهم يقوم بوضع كل كبيرة وصغيرة وإعادة إرسال ما يأتيه دون تدقيق أو حتى اختيار. والنتيجة؟ كمية مرعبة من البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتضيع الوقت في ما لا يفيد إطلاقاً.

نأتي لموضوع هذه المقالة، فبعض من سأل يعرف بأن لي مدونة خاصة أسجل فيها بعض المواضيع، فيسألون لماذا هنا؟ يمكنك أن تكتب في أي مكان آخر وسيكون لدى العديد من الناس الفرصة لقراءة ما تكتب. الحقيقة أني أمتعض جداً من أدوات مثل فيسبوك وأستثقل استخدامها لدرجة غير طبيعية. وبصراحة، لا يهمني عدد القراء بقدر ما يهمني أن تبقى البيانات موجودة ليقرأها ويستفيد منها أحد يوماً ما.

وجود هذا الموقع يمنحني الفرصة لأن أرفع ملفات وأستخدم مزايا إضافية دون الارتباط بأيٍ من أدوات التحليل الخاصة باللاعبين الكبار. من هم اللاعبون الكبار؟ أمازون،مايكروسوفت، فايسبوك،جووجل،أوراكل، وشركتان نسيت اسميهما. وهؤلاء يقومون باستثمار البيانات والكذب بشأن الاطلاع على التفاصيل وحفظها ومشاركتها وغير ذلك من الأمور والتلاعب بالعقول. وعلى الرغم من كون هذه المدونة البسيطة غير محمية من هجمات الاختراق، إلا أنني أفضلها على خدمات تلك الشركات.

يحضرني أمر إضافي، فقد رأيت مواقف حُرم فيها أناس مؤهلون من وظائف أو مراكز قيادية بسبب آرائهم على شبكات التواصل الاجتماعي. بل إن حقد البعض يجعلهم ينبشون الماضي بطريقة مقرفة، ولا يمكنك مهما فعلت أن تحذف كل ما كتبته في تلك الشبكات مما قد يتسبب في موقفٍ مماثل، ولا حل إلا بأن تحذف حسابك بالكامل، وهو ما قد يتسبب في مشكلة من نوعٍ آخر.

أخيراً، لا يوجد لي حسابات تواصل اجتماعي لأني لا أرغب في وجودها، وإن لم يعجبكم ذلك فلا بأس يمكنكم دوماً محادثتي عبر الهاتف أو بإرسال رسالة تقليدية حيث أن البريد لا يزال يعمل :)

ودمتم سالمين.

فشة خلق – الحلقة الأولى

فشة خلق – مصطلح سوري يعني تفريغ ما يكتمن في النفس (سواءً بالكتابة أو بالضرب)، وهذه الحلقة/الحلقات غير مترابطة ولا علاقة بينها، وأي علاقة بينها فهي علاقة مقصودة ومتعمدة جداً.

ماذا تعني عبارة “أنا هيك”؟

هل هي؟
ليس لدي استعداد لتقبل الآخر، فأنا “هيك” أفضل من الآخرين
ليس لدي استعداد للتغير، أو التحسن للأفضل، فأنا “هيك” أقصى ما يمكن الوصول إليه والتطلع لمستواه
ليس لدي استعداد لتحكيم العقل والمنطق، فأنا “هيك” الحق ولا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد
ليس لدي استعداد للتنازل عن سلوك أو عادة تزعج الآخرين، فأنا “هيك” أتسبب في إزعاج صغير لا يكاد يذكر بينما أنتم لا تنفكون عن إزعاجي بكل المقاييس

أبي -رحمة الله عليه-

اللهم ارحمه واغفر له، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، واغسله بالماء والثلج والبرد.

شارفنا على ستة أعوام منذ وفاته، مضت سريعاً كلمح البصر.
يقال أن الإنسان يستجلي ويشعر بدنو الأجل، فكيف كان يشعر أبي وقتها؟ على الرغم من إصابته بالمرض العضال وتجاوز سنه للسبعين، لم يكن ليستسلم للمرض بسهولة. وبقي متفائلاً متقبلاً وصابراً حتى إذا عاد من العمرة سقط طريح الفراش وأُدخل العناية.

كنا قد تعودنا على التناوب في جلوسنا معه لعله يستأنس بوجودنا. فهو رغم عدم قدرته على الكلام كان يواصل الحديث والسؤال ما استطاع لعله يظفر بنقاش أخير.
وأخي محمود -جزاه الله عنا كل الخير- كان يعلم ما يلزم الوالد وكم كان يحبه فكان يأخذ القدر الأكبر من الوقت للجلوس معه والقراءة له.

تلك الليلة الباردة يوم (20) من شهر ديسمبر 2014م كان دوري في الفترة المسائية فذهبت ومعي جهازي المحمول لأتمم بعض الأعمال هناك. جلست وبعد أن تأكدت أنه لا يود الحديث، توجهت إلى الطاولة الجانبية في الغرفة لأبدأ العمل، لكن بعد سويعات كنت بدأت بالترنح من النعاس. عندها قمت أنظر لعله استقيظ فأتبادل معه آخر الأخبار، وقد كان ينظر إلي كمن يريد شيءً. حاولت ان أفهم بعض الحروف لعلي أستطيع فهم ما يريد دون جدوى، فبدأت أعدد المتاح: ماء؟ قناع التنفس يضايقك؟ أأرفع لك ظهرك؟ أتريد تغيير وضعية السرير أو أن تكون على جنبك؟ هل أشغل التلفاز؟ حتى لم يبق شيء وظهرت عليه آثار الانزعاج.

لم أشعر بقلة الحيلة في حياتي كما شعرت في تلك اللحظة، فلم أستطع فهم ما يريد ومن الواضح أنه يريد شيئاً في ذلك الوقت المتأخر. كانت الساعة تجاوزت منتصف الليل وقد أمال رأسه إلى الوراء والألم بادٍ على محياه، فاستدعيت الممرضة لتتأكد من جرعة المسكن وأكدت لي أن الأمور كما يجب، لكني كنت أحس بشيء، شيء جعلني أترك العمل الذي معي وأجلس على السرير بجانبه أحاول أن أدرك كيف يمكن أن أعرف ما يبغي.

إنه الفجر، لا، الساعة الثانية لكن كيف؟أغفوت؟ نعم كان ذلك لنصف ساعة تقريباً، لا بأس فلأحاول مرة أخرى عسى أن أعرف ما يريد أبي. نظرت إليه وتسمّرت مع دخول الممرضة إلى الغرفة، لقد أدركت وقتها أن الذي أيقظني هو صوت الجهاز يعلن الوفاة. للحظة لم أستطع الوقوف، ثم قمت طالباً منها استدعاء الطبيب المناوب وقامت هي بتنفيذ طلبي على الرغم من معرفة كلينا بعبثية الأمر.

لا زال الأمر يقتلني ألماً، فلم أعلم يقيناً مالذي أراده، والأسوأ أن أعلم يقيناً أنه كان يطلبني تلك اللحظات الأخيرة وأنا ……………………………..