إلى شقراء

 بلدة جميلة جداً وأحد أصدقائي منها ولكنها……….    ليست شقراء 

الموقع: في مكان ما بين شمال-غرب وجنوب-غرب الرياض في المملكة العربية السعودية 

الزمان: السابعة والنصف صباحاً في أحد أيام برد الصحراء القارص 

يلفت نظرك عند دخولك إليها أنها بلدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى….. نعم أقول بلدة لأنني مررت قبلها بما يسمى مرّات (قادماً من طريق مكة-الرياض) 

مما يميز مرّات اللوحة الضخمة عند مدخلها والتي ترحب بك “مرحباً بكم في مرّات” وذلك قبل أن ترى أي أبنية أو بيوت مما يوحي أن حدود مرّات واسعة لدرجة أنك ستدخل مدينة بحجم الرياض، ثم يلفت نظرك أن الطريق يمر بجوار جبل شكلت عليه عبارة “أهلاً بكم في مرّات” بالحجارة البيضاء ولأن لون الجبل ومكانه يلفتان النظر فإنك لا تنتبه إلى المنازل الصغيرة على الطرف الآخر، ثم تفاجأ أن مرّات تتمنى لكم رحلة سعيدة، فتدهش لدرجة أنك تفكر فعلياً في التوقف والعودة بحثاً عن المدينة المفقودة

عودة إلى شقراء، جميل هو منظر الشلال الذي يقام عند مدخلها حيث يوجد مشفى شقراء العام (وأنا كلي يقين أنه المشفى الوحيد في المنطقة لأن باستطاعته استضافة كل أهل مرّات السابق ذكرها فيه)، وأمام المشفى تقوم البلدية حالياً بإنشاء دوار ضخم سيكون غالباً منتزهاً جميلاً وخصوصاً بتوضعه في منطقة مكشوفة من الأرض وأمام الشلال الذي يتم إنشاؤه. 

قبل دخولنا بلحظات اتصلت الأخت التي ستقوم بتوجيهنا إلى مقر المحاضرة وأعطتنا وصفاً مفصلاً حتى وصلنا (وبسهولة بالغة) إلى مكان المحاضرة فدخلت الوالدة وبقيت أنا أحضر نفسي لأجلس مع (الشايب) الذي يحرس المبنى، لكن ما إن أطليت برأسي داخل غرفته حتى وخزتني مؤخرة رأسي قائلة “خبل إنت؟ دافور وبتجلس مع سبع شيبان في غرفة ثنين في ثنين متر؟ لا وبعد بتشغل اللابتوب ولا أنت بتقعد تكلمهم؟ صاحي إنت ووجهك؟) فقررت أن أنسحب مؤثراً السلامة النفسية على المكان الدافئ ووصلة الكهرباء. 

أثناء تشردي في السيارة تذكرت إنني رأيت كودو والعثيم في الطريق فقررت أن أحصل على فطور جيد وقد أجد وصلة كهرباء عند كودو فتوجهت نحوه، عند دخولي (وبسبب عقدة النقص والسادية والسكرية وكل العقد النفسية المعروفة والغير معروفة) صحت بأعلى صوتي “جوووووود موووورررننننينج” ليخرج أحد الموظفين (فليبيني على الأغلب) وعى وجهه علامات الاستغراب الشديد وكأنني أول بشري يدخل المكان عامداً متعمداً (وليس عن طريق الخطأ أو بغرض السؤال العابر) في هذا الوقت المبكر. تجاوزت النظرات لأبدأ بسؤاله (باللغة الإنجليزية) عن طلبي لحم وبيض مع الشاي وأرجو أن يكون اللحم تام الإستواء. ما أن انتهيت من طلبي حتى لاحظت أن فك الموظف السفلي يكاد يلامس الأرض لفرط دهشته، ولم استطع بشكلٍ ما أن افسر الدهشة المفرطة لهذا المسكين سوى أنها المرة الأولى التي يسمع اللغة الإنجليزية منذ قدومه (أو أنها المرة الأولى التي يسمع بها اللغة الإنجليزية بهذا السوء). ووقفت منتظراً منه أن يدخل البيانات في نقطة البيع ويطلب مني النقود لكني فوجئت بأنه أدار ظهره متجهاً إلى المطبخ ليبدأ العمل على الطلب، فتوجهت إلى إحدى الطاولات و”فرشت” العدة مستعيناً بالله وراجياً أن تكفي بطارية جهازي الشبه ميتة لإتمام المهمة التي جئت لأجلها. 

ما أن انتهيت من تشغيل الجهاز وبدأت العمل حتى كان طلبي جاهزاً، وعندما جئت لحمل الطلب كان ما يزال محملقاً بي وكأنه يريد التأكد انني لست حلماً فقمت بدفع النقود له مخافة أن ننسى نحن الإثنين. تناولت إفطاري (على أقل من مهلي) متسلياً بالبرنامج الذي أعمل عليه حتى حصل المحظور وفرغت البطارية وقام الجهاز بإطفاء نفسه اضطرارياً. نظرت حولي ولكن لا يوجد أي قابس كهربائي، فأكملت فطوري وتوجهت إلى العامل مرة أخرى لأجد شخصاً آخر هناك، سألته عن إمكانية وصل جهازي بالقابس الموصل إليه جهاز نقطة البيع الذي يعمل عليه لكنه رد بالنفي لتعارض ذلك مع الإجراءات الإدارية ؟؟؟؟ حاولت الاستفسار عن أي مقهى إنترنت أو مقهى عادي لكنه أجاب بعدم توفر مثل هذه الخدمات فضلاً عن أنه لا يوجد محلات قهوة تفتح في مثل هذا الوقت (حوالي التاسعة والنصف صباحاً). 

خرجت متوجهاً نحو فرع العثيم المجاور لعلي أجد أحداً من أهل البلد يستطيع مساعدتي، بالطبع كان كل العاملين على نقاط البيع “فاظين ولا عندهم إلا السواليف”، وكان وجهي الغريب (عن البلدة) والتسائل المنطبع على وجهي (وخصوصاً أني دخلت من باب الخروج) سيعطيهم “سالفة” جديدة لبضعة أيام. سلمت و”صبّحت” عليهم وسألتهم عن قهوة يمكن الجلوس فيها بهذا الوقت وتوفر قوابس كهرباء لاستخدام الكمبيوتر، نظر أحدهما إلى الآخر كمن يحاول التذكر “فتفلسفت” كعادتي محاولاً أن أكون أكثر تحديداً وسألتهم عن “د. كيف” (أحد أشهر محلات القهوة العربية الأصل ويمتلك فروعاً في الخليج وأفريقيا وأوروبا، لكن!!) فإذا بالشابين معاً يفتحان فاهما مع علامات استغراب شديدة. فحاولت أن ألطف الأمور (جا يكحلها عماها) وسألت عن أي فندق يمكن أن يكون قريباً (ويييييييييين قريباً، تقول هالبلد اللي عشرين ولا ثلاثين كيلو) وكانت النتيجة مشجعة جداً حيث توقفت حالة الإندهاش وتحولت إلى حالة ضحك، ثم سألاني من أين أنت – من الرياض – ما الذي تحتاجه بالضبط – لا شيء سوى مكان جلوس مع قهوة/شاي وقابس كهرباء. وجاء الفرج أخيراً من أحد الشابين قائلاً يوجد قهوة وهو ينظر إلي إن كنت فهمت مقصده فأجبته تقصد مقهى “للشيشة”؟ لا بأس يمكنني التأقلم مع الفكرة فيبدأ يصف الطريق بشكل أوحى لي أني سأمشي ما يقارب العشرة كيلومترات على الأقل، شكرته وانطلقت بسيارتي لأفاجأ بعد ثلاث دقائق أنني وصلت إلى المكان المقصود، وبصراحة المكان جميل ولو أن به إنارة (فضلاً عن وجود قابس كهرباء) لكان بمكنني التكيف مع الوضع. 

بكل أسى وحزن أدرت ظهري عائداً إلى البلدة لأفتش هنا وهناك ولتأتيني مكالمة “شماتة” من خباب سامحه الله ومن ثم أجد شققاً مفروشة أمامي، توقفت لأسأل علّ هذا الرجل يفيدني أكثر مما فعل الآخرون فعرض علي جزاه الله خيراً أن أجلس في منطقة الاستقبال حيث يوجد قوابس كهرباء ومقاعد مريحة وطاولة. 

أثناء خروجي من شقراء كنت أمشي متمهلاً مخافة أن لا أكون قد رأيت كل شيء، وعندما أصبحنا في منتصف الطريق مع “مرّات” جال في رأسي تساؤل عن سبب تسميتها شقراء بالرغم من أن جميع الرمال التي حولها “حمراء”!!