حدث ذات جوع

بمجرد دخوله إلى المكتب اكتشف أن جميع زملائه في الخارج ما عدا هذا الزميل اللطيف جداً، فبدأ الحديث من النقطة التي يشكو منها دائماً في عمله الجديد.

أنا جوعان، اليوم لم يأخذوني إلى “الدايت سنتر” لكنهم طلبوا سلطة دجاج، وكأن في ذلك فرق!

بدأ الزميل المسكين باستلطاف الجو لكن صديقنا كان (فعلاً) جوعاناً لدرجة أنه التهم قطة الشوكولا التي في يده بلقمة واحدة حتى قبل أن ينهي تقشير غلافها. ثم التفت…………

– هذا الأحمق (السكرتير)، ألم يأت بشيء يؤكل؟ أم تراه نسي النقود التي أعطيناه إياها؟

خرجت هذه الهمهمات أثناء هجومه المسعور على الثلاجة الصغيرة وأحد الأدراج في ما يمكن تسميته مطبخاً، ناسياً (أو متناسياً) أنه هو شخصياً التهم أكثر من ضعف ما قدمه للمجموعة

– جد لي شيئاً وإلا سآكلك

نطق العبارة وهو يلتفت إلى زميله الواقف عند باب المكتب بالكثير من (الفجعنة) مما جعل زميله يفكر “هل سأستطيع فتح الباب والهرب قبل أن يمسك بي؟”. ثم آثر السلامة واعترف بمكان “مؤن الطوارئ”

– هناك (مشيراً إلى إحدى الخزائن التي لا يوجد بها ما يلفت نظر المفاجيع عادةً)، يمكن أن تجد ما تسد به رمقك (بالطبع لم يكن ليجرؤ على أن يقترح أن يشبعه ذلك، وإلا لكان أكل ما يوجد في الخزانة ثم أتم عشاءه بالزميل العزيز).

التفت صديقنا حيث أشار زميله المسكين ثم فتح الخزانة كمن يحاول مفاجأة من بداخلها، نظر بداخلها ليجد المعتاد من أصابع البسكوت المملح التي تعطى للأطفال، وتلك بالطبع لا يمكن أن تشبع كتكوت من عصافير بطنه التي تغرد كفرقة غجرية في ليلة أنس من ليالي الدفئ النادرة في بلاد أوروبا الشرقية. ووجد كذلك بعض الأشاء الأخرى التي لا يرغبها إطلاقاً، وبدأ جدياً بالتفكير بإغلاق الخزانة وأكل زميله لولا أن لفت نظره كيسٌ من رقاقات الذرة المكسيكية (ناتشو) يقف مرتعباً (الكيس طبعاً وليس الزميل، لأن الزميل مرتعب أصلاً منذ أن انتبه لوجودهما وحدهما في المكتب وأحدهما جائع) ويحاول جاهداً الاختباء خلف كيس آخر في قعر الخزانة. مد يده ليسحب كيس الرقاقات بسرعة وينظر إلى ما كتب عليه لمعرفة المحتويات، بينما كانت الرقاقات تبتهل إلى الله أن لا تكون من نوعه المحبب.

– آه، ناتشو! أخيراً شيء يؤكل

صاح بنشوة الفرح بينما كان يقلب الكيس ليقرأ المزيد ثم يقلب شفته السفلى علامة عدم الرضى

– ما هذا صنع أميركي؟ ومعدلة وراثياً أيضاً؟

زميله الذي لم تستغرق خلايا مخه إلى 3 أجزاء من مليون جزء من الثانية لتستشعر الخطر وترتب مجموعة الكلمات بشكل رد حاول بقد استطاعته أن يخرجه بنبرة صوت مقنعة

– لا، إنها مجرد عبارة غير صحيحة بغرض التسويق

طبعاً عند هذه اللحظة لم يكن صديقنا بحاجة لهذا التعليق فلم ينه زميله العبارة إلا وكان الكيس مفتوحاً وبدأ بالتهام الرقاقات. عندها أدرك الزميل أنه سينتهي من الكيس قبل حتى أن تفتح المحلات بعد الصلاة (كان أذان المغرب قد رفع قبل خمس دقائق فقط) وبالتالي فإنه سيبحث عن شيء آخر

– يوجد في الثلاجة الصلصة الخاصة به

كانت تلك العبارة الرمق الأخير قبل أن يتلفظ بالشهادتين ويسلم نفسه للموت، لكن لحسن حظه فقد توقف صديقنا وفتح باب الثلاجة (مرة أخرى كمن يريد مفاجأة أحد بداخلها) والتقط العلبة التي كان من الواضح أن أحداً لم يلمسها قبله ثم ذهب فرحاً إلى مكتبه وبدأ في الأكل. عاد زميله إلى عمله وطلب منه بعض الأشياء، التفت إليه باستهجان وهو يأكل و”تحدث” بجدية تامة

– لماذا تقاطعني؟ يا أخي، احمد الله أني وجدت ما يؤكل. كيف كنت ستبرر موقفك مع المدير والعائلة والأصدقاء إذا أكلتك؟ بماذا ستبرر فعلتك هذه؟

كانت طريقة الجواب قاسية لدرجة أن زميله شعر بالذنب لطلبه. على الرغم من أن صديقنا لو استطاع أكل زميله ثلاث مرات متتالية فلن يشبعه.

آخر تحديث بتاريخ 8 مارس 2010

7 thoughts on “حدث ذات جوع

  1. يقول كنان:

    خباب، حلوة الإجابة المبطنة…
    منصور، حياك الله وشكراً على مرورك اللطيف.
    سلامي للجميع، أنتم دائماً في البال ولم يصل الغبار لذكرياتي معكم بعد، فالشباب مثلك ماشاء الله لا ينسوني بين الحين والآخر.
    وبالمناسبة، فقد رٌزقت بسلمان والحمدلله، فيمكنك أن تناديني بأبو سلمان.

  2. يقول منصور الغامدي:

    بداية أحببت أن أهنئك بمدوناتك الشخ …….صية :) وأحببت أن أنفض غبار الماضي عن ذكرياتك …
    وأبلغك بأن الجميع هنا يبلغك السلام ..
    بالتوفيق يابو ………..

  3. يقول خباب:

    صحيح أن الخالة أم.. وأكثر من يعرف الشخص من الناس أمه.. وخالته ..

  4. يقول كنان:

    المفروض أن يجيب عن السؤال الأخ خباب.
    مع العلم أن في الموضوع شيء من “المبالغة”

  5. يقول خالتك:

    تصويرك لشخصية الزميل الجوعان كان رائعا، وما استطاعت مخيلتي عند قراءته إلا أن أتصورك شخصيا…فما رأيك؟

  6. يقول كنان:

    عمي،
    هناك قولان، الأول:
    كانت في البداية
    شخخخصيييية
    كنوع من التشديد على الخصوصية، ثم أصبحت الكلمة مثيرة للسخرية (الخصوصية ولم أقصد شخخخصيييية) حيث لا يوجد أي نوع من الخصوصية على النت، بل جميع أنواع اللصوصية.
    فقمت بكتابتها مع ما يتوافق وهذا الواقع.

    أما القول الثاني:
    هي كذلك أجمل وتؤشر بالضبط إلى مكان العمل الذي يعمله إبني العزيز :)
    شكراً لتكرمكم بالمرور (هلا عمي)

  7. يقول M N Nahas:

    لم أفهم لماذا كتبت شخصية بالطريقة التالية: شخ…..صية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.