موت بالموعد

سافر مدير التسويق لدينا في إجازة وأوكل العمل الذي لديه إلى شخص آخر. إحدى أهم الأشياء التي كان يتابعها هي مراقبة دوام مجموعة كبيرة من المسوقين في المحلات الكبيرة، وتوفير البديل في حالة عدم استطاعة أحدهم التواجد.

ذات يوم اتصل أحد المسوقين بالمكتب واعتذر: “عفواً لدي حفلة طارئة ولن أتمكن من الحضور اليوم”.

المدير البديل: “كان المفروض أن تبلغنا قبل يوم أو يومين حتى نأتي ببديل عنك”.

المسوق: “كيف يمكنني ذلك ولم أعلم بالوفاة إلا اليوم؟”.

ولك أن تتخيل وجه المدير عند سماعه ذلك، خصوصاً أنه ليس هناك ترابط بين العبارتين إطلاقاً. وحتى هذه اللحظة ما زال السبب مجهولاً في قدرة هذا المدير على سماع العبارات بطريقة مختلفة (أو حتى فهمها كذلك :) )

عفواً صديقي فلا وقت لدي

“أعذرني فأنا مشغول”

“عفواً لكني لن اتمكن من الحضور”

“آسف لعدم المشاركة لكني مرتبط”

والكثير الكثير من تلك العبارات السهلة الاستخدام والتي لا نلقي لها بالاً، لكن كثرتها تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.

نتشدق كثيراً بعبارات أو أمثال على شاكلة:

“أهم ما في الحياة الصداقة”

“إن كان لديك صديق وفي فأنت أغنى الناس”

“الصداقة الحقيقة كنز”

“الصديق وقت الضيق”

وفي زمننا “العاطل” هذا فإن مشاغل الحياة تأخذ من وقت الإنسان أضعاف ما كانت تحتاجه سابقاً. فيقول “سأتصل بهم غداً”، “هم كذلك لم يتصلوا فلا بد أن مشاغلهم كمشاغلي”، “سأقوم قريباً بدعوة الكل حتى نراهم مرة واحدة” ويبقى هذا الحال حتى ينكسر ما كان من ود ومحبة وتبرد المودة والصداقة، فإذا ما كان من أحدهم أن اتصل بالآخر جاء الرد بالاعتذار والأسف، والتأخر والتسويف حتى يصل بهم الحال موصله فيبقى مجرد ذكرى لا صداقة فيها إلا الكلمة.

.

.

.

أحمد! قد فرطت في صداقتك أيما تفريط فإن أعذرتني فقد مننت علي بها، وإن لم……………

جزاك الله خيراً عن سعة صدرك، وأحبك الله الذي أحبك فيه.

من شقراء

كتبت سابقاً عن شقراء والرحلة الجميلة إليها (هنا)، وحاولت التهرب من رحلة العودة بنهاية تقليدية، لكن الوالدة قدس الله سرها أبت أن تترك المعاناة مستورةً فألمحت لجزءٍ مما حصل معنا ولذلك قررت كتابة بضع سطور عن رحلة العودة في ذلك اليوم الميمون.

بعد خروجنا من شقراء وأثناء عبورنا بـ “مرات” بدون الشدة هذه المرة :) هطلت زخّات من مطر مما يعطيك دفعة للتفاؤل بعد ما حدث سابقاً. لكن تأبى الأقدار أن تسير الأمور بسلاسة، فبدلاً من استمرار الزخّات وزيادتها لما يمكن تسميته بمطر فقد توقفت الزخّات مباشرة بعد أن حققت مجموعة أهداف مدروسة بدقة. منها (مثلاً لا حصراً) اتساخ زجاج السيارة وامتصاص جزء كبير من برودة الجو بالإضافة لتبديد الغيوم وظهور الشمس لتنقلب حرارة الجو المحيط إلى دافئ نسبياً و…. بالطبع :) إضافة بعض الحماس إلى متعة القيادة “المملة” على طريق يتعرض لعوامل الصيانة الدورية بالصدفة البحتة وجعل السيارة تمشي على مزيج صابوني لزج من الماء والغبار.

بالطبع وجدنا أنفسنا بعد بضع دقائق في درجة حرارة صيفية داخل السيارة فلم أكن لأجرؤ على تشغيل نظام التكييف، أما أجمل ما يمكن أن يكمّل هذا السيناريو الفريد فهو احتياطنا للبرد قبل خروجنا فجراً من الرياض بحيث أننا لبسنا كمية مضاعفة من الملابس، أو “لبسنا خزانة الملابس بالكامل” كما يحلو لجمان أن تقول. بالطبع كان بإمكاننا أن نخفف من ملابسنا لو أن هكذا احتمال ورد أصلاّ، لكن جميع مؤشرات الجو في الأيام السابقة وحتى تحركنا كانت تحمل رسالة واضحة بشدة البرد.

بكل بساطة قمت بفتح جزء من شباك السيارة لكن صوت انسياب الهواء العليل أجبرنا خلال ثوانٍ على الصراخ لنسمع بعضنا، وبالتالي اضطررت لإغلاقه مرة أخرى. عند ذلك قامت الوالدة بحل مشكلتها بسهولة بنزع البلوزة (الفانلة) التي كانت تلبسها من تحت العباءة (والعباءة ميزة رائعة في هذه الحالات لأنها تعمل كالخيمة). أما العبد الفقير فلم يكن من السهل إيجاد وسيلة ناجعة (أو حتى حمامات عامة) لأتمكن من نزع بنطلون القطن الدافئ الحنون الذي تفضلت علي زوجتي بإصرارها أن ألبسه ;)

رحيل

عجيب هذا الفراغ لم أشعر به إلا عندما بدأ يتمدد. نعم الفراغ يتمدد لأن الهواء يملأ مكان الأجسام المفقودة وهو ما يسميه البشر فراغاً. أو قد تطلق على الفراغ العاطفي وفي كلتا الحالتين يكون الفراغ مصحوباً بأنواع الضيق. 

لم أتصور يوماً أن أفتقد أخي الدب، لكني (ومع كل كرهي لطيشه) أفتقده وأفتقد سماجته وقلة أدبه الساخرة من نفسه قبل الآخرين. وعلى الرغم من مضي أسابيع على رحيله إلا أنني ما زلت أطلب من ابنتي أن تذهب إلى غرفته لتطل برأسها لعله (كعادته السمجة) يكون قد وصل المنزل ونام دون أن يبلغ أحداً عن قدومه إلى الرياض فضلاً عن قدومه إلى المنزل. 

قد أكون أكتب بسرعة كبيرة مخافة هروب الكلمات التي تتقافز في ذهني كالكرات المجنونة، وهي لمن لا يعرفها كرات مطاطية ذات قابلية عالية على الحفاظ على الطاقة لدرجة أنك عندما تتركها للسقوط الحر من ارتفاع متر ونصف فإنها تعود إلى ما يقارب المتر وبضع سنتيمترات. أو يمكن ببساطة تشبيهها بالمطائر. ولمن لا يعرف المطائر الرجاء مراجعة قصة الطبيب روبنسون لاندكروزر. 

ما الذي أوصلني إلى هنا؟ آه، نعم!! غياب الاثنين معاً…. وكأن نصف البيت رحل ومع رحيله رحلت كل المشاغبات والمشاكسات والمناوشات والمزحات (الثقيلة والخفيفة). ولا أدري كيف يمكن تطبيق مبادئ الفيزياء على حالة كهذه! برأي السيد أفلاطون هل يعادل وزن الهواء وزن من غادروا أو وزن أنفاسهم وهمساتهم وذكرياتهم؟ 

ولتزداد المشقة، يغادر أطفالي السبت القادم آخذين أكثر منزلي مع لهفاتهم وضحكاتهم التي تستقبلني نهاية كل يوم. وكأنهم يريدون إشغالي بهم عن غيرهم وتعويدي على البعد والغربة في الغربة والبعد. 

 

منزل…….ومكتب

مع تسارع نمط حياتنا ولهاثنا وراء الدنيا نفقد الكثير، وقد يكون أهم ما نفقده هو العائلة. تبدأ علامات فارقة بالظهور عندما تمضي وقتاً أطول في العمل وخصوصاً في المكتب، تحتاج إلى انتباه شديد حتى لا تصل هذه العلامات إلى مستوى التحذير الأقصى كما حصل معنا (فريق العمل الذي أعمل معه) بجميع الأحوال فإنك تحتاج إلى إجازة فور ظهور أي من الأعراض أدناه:

1. تجد نفسك أثناء خروجك من المكتب الساعة الواحدة صباحاً تقرأ دعاء الخروج من المنزل

2.عند استخدام هاتف المنزل تبدأ بإدخال الرمز الخاص بفتح خط للاتصال بصفر داخلي (9 مثلاً) 

3. عندما ترفع سماعة هاتف المنزل محاولاً تذكر تحويلة غرفة النوم

4. يبدأ الأولاد بسؤالك على الهاتف هل ستأتي اليوم أم لا

5. أو يبدأ الأولاد بعزيمتك إلى المنزل (تفضل لعنا خلينا نشوفك)

6. تشعر أن وجود سرير في المكتب أمر ضروري

7. تشعر أن المدير كان متعسفاً عندما رفض وضع سرير في المكتب حتى لو كان على حساب الموظفين

8. تفتح درج المكتب لتجد عدة النوم للطائرات متوفرة لديك (غطاء العينين، سدادات الأذنين، طوق الرقبة) 

9. تشعر بالملل لرؤية نفس الوجوه لفترة طويلة وتقرر من باب التغيير أن تذهب إلى والديك

10. تبدأ بالضحك لأدنى سبب حتى عندما تتلقى توبيخاً شديد اللهجة من إدارتك 

11. يبدأ الزبائن في الثناء عليك وعلى المجهود الرائع الذي تقوم به

12. تبدأ بالاستيقاظ من فراشك فزعاً لأنك نمت أكثر من ثلاث ساعات 

13. يبدأ من حولك بالسؤال عن حياتك العائلية واستقرارها

14. تستيقظ صباحا لتكتشف أنك حلمت بحل لمشكلة كنت تواجهها في المكتب

15. بمجرد وصولك إلى المكتب تكتشف أنك نسيت الحل الذي اكتشفته في النقطة السابقة

16. يستمر مسلسل النقطتين السابقتين حتى عطلة نهاية الأسبوع    
وسأرفق المزيد ما أن أتذكره :)